الثلاثاء، 21 فبراير 2012

بين الديمقراطية و الدكتاتورية


بين الديمقراطية والدكتاتورية

أسبوع محموم. . .
لم يَعُد الناس في هذه الأيام ناساً لهم دين ومدنية وفلسفة، وإنما عادوا
كما بدأهم الله أصحاب غلبة وأثرة وبغي؛ يتخاطبون بلغة القوة،
ويتجادلون بمنطق الذئب، ويتصاولون بعصبية الجاهلية، ويسرف
عليهم الطغيان فينزلون عن نفوسهم المريدة ليكونوا قطعاناً من ألبهم
تسوقهم عصا واحدة إلى المزرعة أو إلى المجزرة!!
هاهو ذا إنسان القرن العشرين ينسى أنه تقدم حتى جاوز حدود الغيب، وارتقى حتى بلغ أسباب السماء، وتعلم حتى هتك أسرار الكون، وتهذب حتى تخلق أخلاق الملائكة؛ ينسى ذلك ويعود فيقف على الصخرة الصماء التي هبط عليها أبواه من الجنة، عاري الجسم من زينة المدنية، فارغ النفس من كرم الدين، مجرد العاطفة من جمال الأدب؛ ينظر إلى فريسته الدامية وفوه يتحلب ريقاً، ورمحه يقطر دماً، وأشباهه من حوله بين مطعون يتوجع، وموهون يتضرع، وموتور يتوعد!!
وقف الحاكم بأمره على منصة هائلة يحملها سبعون مليون رأس، ونظر بعين النسر إلى فرائسه السمان وهن آمنات في حمى القوانين، غافلات في ظلال المعاهدات؛ فثارت الشهوة في نفسه، وعصفت القوة في رأسه، وزأر زئير الأسد المسعور، وفغر فاه الجهنمي الأهرت عن وسائل المنايا الحمر والسود تضطرب في لعابه، وتصطخب على أنيابه؛ فجزعت البشرية، وريعت الديمقراطية، وخنست المدنية، وخرست عصبة الأمم، ووقفت حجج تشمبرلن أمام رغبات هتلر موقف المضخة الصغيرة أمام الحريق المهول، وأصبح العالم كله لأول مرة في تاريخ حياته يهذي في جهاته الأربع هذياناً واحداً من حمى واحدة: هي إعلان الحرب، وويلات الحرب، ونتائج الحرب!
إذن لم يبق لعلاج ابن آدم حيلة! فشرائع الله، ومذاهب الحكماء، ومراشد العقول، ومناهج التربية، لا تجد سبيلها إلى قلبه إلا حين تسكن الطبيعة فيه؛ فإذا ثارت به لسبب من الأسباب كان حاله كحال العواصف والزلازل والفيضانات والبراكين لا تعرف الأرصاد ولا

المقاييس ولا الحواجز. وحينئذ لا ترى الشطئان الجميلة، ولا الأودية الممرعة، ولا المدن الفخمة، ولا الحضارة الرائعة!
منذ أسبوع تحركت طبيعة الإنسان الأصيلة في الدولتين الدكتاتوريتين على حين غرة، فوقع العالم كله في بحران من القلق على حضارته وسلامته؛ وحاول الكتاب بالبلاغة والحكمة، والساسة بالمنطق والحيلة، أن يدفعوا وقوع الكارثة، أو يؤخروا يوم القيامة، فما رجعوا بطائل. ولم يكن ذلك لأن الخلاف بين برلين وبراغ لا يدخل في نفوذ العقل، وإنما كان لأن الذئب متى صمم على افتراس الحمل بطل كل دليل وأَبْدعت كل حجة. وإذا انفجر البركان ودوَّت حُمَمُه وسال حميمه، فمن ذا الذي يقول للطبيعة: رويدك يا أمَةَ الله! إن على السفوح وفوق السهول ملايين من عباد الله لهم حق الحياة وليس عليهم أن يموتوا ليتنفس فلكان من ضيقه في السماء، ويشتفي من غليله على الأرض؟
هذه أزهار الشباب الغضة في أوربا الجميلة تُنظم عقوداً وأكاليل لتذويها سَموم الحرب في غير ذِياد عن حرمة حق، ولا جهاد في سبيل مبدأ. فهل درى هتلر وصاحبه أن كل زهرة من هذه الزهرات بهجة بيت وسعادة أسرة؟
إن السلام العالمي يحتضر الآن بين قرع النواقيس وصلاة الرهبان ودعاء الآباء وبكاء الأمهات، والفكر الإنساني ينظر خزيان إلى كبره وهو يتطامن، وإلى جهده وهو ينهار. فهل استطاع حماة السلم وأُساته أن يحفظوه ومن ورائهم كل حي يطلب الحياة، وكل ضعيف يرهب الموت، وكل فتاة تنشد الحب، وكل أم تلعن الحرب، وكل رافه يريد الطمأنينة؟ ماذا يصنع الطب إذا انتشر الوباء، وماذا ينفع الكوخ إذا عصفت الأنواء، وماذا تغني المذاهب والقوانين والنظم إذا عارضت هوى الطبيعة؟
لا جرم أن الحرب سلاح من أسلحة الطبيعة تدرأ به عن نفسها الفضول والخمود والوهن؛ فهي نوع من التشذيب والتطهير والتنقية تصلح عليه الدنيا، ويتجدد به الوجود. والديمقراطية نظام من نظم الناس أقاموه على الحرية والمساواة، ودعموه بالفلسفة والقانون، ونشروه بالأدب والفن، وقرنوه بالسلام والأمن؛ وفي كل أولئك كفكفة لسلطان الطبيعة، فهي تحاربه بضده كما تحارب الحياة بالموت، والخير بالشر، والجِدَّة بالبلى، فتسلط عليه الطغيان المطلق في بعض الأمم، فيخضد من شوكته، ويقلل من هيبته، حتى يشك الناس

في أثره وغناه. فالدكتاتورية إذن هي نكسة الداء الحيواني في الإنسان المهذب. تعود به إلى حمى الشهوة وكَلَب الوحشية فلا يفهم غير لغة السباع، ولا يخرج من النزاع إلا بالصراع.
فمن زعم أن السلم العالمي تحفظه عصبة الأمم أو تحالف الدول أو تقدم الحضارة، فقد أحسن الظن بالإنسان إلى حد الغفلة، وأساء الفهم للطبيعة إلى حد الجهالة. إنما يحفظ السلام السلاحُ الإيجابي وهو القوة. وهذا السلام لا يمكن أن يكون إلا نسبياً ووقتياً بالضرورة؛ فإن القوى إذا تكافأت تساقطت، وإذا تفاوتت كان هناك الآكل والمأكول والغانم والغارم. وهكذا قضى الله على الحياة أن تكون دُولة بين الفساد والكون: تبني جانباً بهدم جانب، وتوجد حياً من عدم حي، وترفع دولة على أنقاض دولة. ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض.
أحمد حسن الزيات

الأحد، 19 فبراير 2012

التربية الجنسية - منتدى حلب روز


التربية الجنسية

للأستاذ رؤوف جبري
التربية الجنسية معدومة في مدارسنا وخاصة الثانوية منها، ومع أنها تأتي في المرتبة الأولى من حيث أهميتها، وجدارتها لتكوين النشء تكوينا قويا سليما وبوسعنا مصارحة التلاميذ عن هذه الشؤون في دروس الصحة، كسائر الدروس. ولا خلاف في أن العلاج يكون في تحويل اهتمام التلاميذ إلى نواح أخرى، وذلك بتلهية وساءل التسلية وأعداد وسائل التسلية وأعداد وسائط الرياضة واللعب، الذي يصرفهم عن التفكير فيما هو مستحكم بهم. ولكي لا تتأصل العادات الضارة في نفوسهم فتصبح (عقدة نقص) أو مرضا عضالا يخشى من عواقبه.
أن بعض التلاميذ يسترسلون في (العادة السرية) للفرار من الحياة التي فشلوا فيها، لنقص فيهم، فتراهم ينطوون على أنفسهم، فلا يتحول تفكيرهم ألا نحو هذه العادة. وقد لا تبدو عليهم أعراض غير عادية، غير انه كلما تقدموا في السن بدت عليهم بعض الأعراض عند إفراطهم في ممارسة العادة. قيهم في الغالب ميالون إلى العزلة يعتريهم صداع متكرر، ويتعبون بسرعة، وتبدو عليهم مظاهر الأدب، ويلاحظ في الكثير منهم شحوب وذبول، يعزي في كثير من الأحيان إلى عسر هضم أو الإجهاد المدرسي.
ومن العبث سؤال التلاميذ عما أذا كانوا يمارسون العادة أم لا، فيهم لابد منكرون بشدة، ولذا لابد من المستحسن تحذيرهم من الأمراض السرية دون سؤالهم. ثم أرشادهم إلى طرق الوقاية منها. ويجب تجنب الشدة أو الضغط معهم، فهذه قضايا لا تحل ألا باللين، وليس يجدي أن نهددهم أو أن نحضهم على أن يكفوا عن الاستمرار في هذه العادة دون أن نرشدهم إلى السبيل الذي يجب أن يسلكوه لتجنها، كتحذيرهم من قراءة الروايات الغرامية المثيرة ومشاهدة الأفلام الرخيصة، وسماع الأغاني المبتذلة، ومنعهم من مصاحبة الأشرار حتى لا يأخذوا عنهم العادات وهم في سن مبكرة. وعلى كل يحتاج الأمر ألي حكمة المرشد المخلص والمربي الفاضل الذي بوسعه سبر أغوار التلاميذ، وإيجاد العلاج الحاسم.
ولا بد من التنويه في مثل هذا المقام. بأن بعض نقابات الأطباء في البلاد الأوروبية، توجه النصح إلى الطلاب، في مطلع كل عام دراسي وفي نهايته، وتحذرهم من شتى الأمراض

التي قد تعتريهم، والأمم الراقية تعتمد كل اعتماد إلى السينما، للإرشاد والتوجيه الصحي. فحبذا لو جاءت نقابة الأطباء إلى عندنا إلى مثل هذا العمل فتوزع نشرات صحية، أو تنشر في الصحف، أو تلقي محاضرات، تفيد الطلاب وغير الطلاب. فتصون أجسامكم وتحفظها من الأمراض والتلف.
والخلاصة أن هذا الموضوع هام حيوي، الغاية منه أثارة اهتمام المربين والأخصائيين فلعلهم يدلون برأيهم بصورة واضحة كاملة. . فنحن أحوج ما نكون إلى مثل هذه الأبحاث، لمحاربة الأخطاء الشائعة، وللقضاء على العادات الضارة المنتشرة بين النشء.
رؤوف جبري